ثانياً: الأدلة على أن قبيلة مطير ليست من غطفان:
1- مطير لم تثبت غطفانيتها، فإن أقدم من قال بذلك حسب إطلاعي هو محمد بن بليهد (ت 1377هـ)، والراوية محمد بن عبيّد (ت 1399هـ)، ثم حمد الجاسر(ت 1421هـ) - رحمهم الله – وقد تأثر بهم البعض فيما بعد، وقد وجد من هو أقدم منهم ينسبها إلى بني عبدالله بن دارم التميمي، ولعل السبب في وهمهم - ومن حذا حذوهم - في القول بغطفانية مطير هو عدم أخذهم نسب قبيلة مطير من مطير نفسها، واعتمادهم على شبهتي المسكن وتشابه الأسماء، دون النظر في تنقل القبائل، ومما يؤكد أن اعتماد ابن بليهد في نسبته للقبائل في وقته على شبهة المساكن أنه ينظر لسكانها القدماء وينسب القبائل المعاصرة لها بحكم أنهم موجودون في نفس المسكن فقط، ومما جاء في كتابه (ما تقارب سماعه وتباينت أمكنته وبقاعه، ص249) مانصه: (الوقباء: ماء جاهلي قديم تملكه في الجاهلية وفي صدر الإسلام بنو تميم، ومن قال: الجبلان من بني تميم فلا تكذبه لأنهم يقيمون على مياه بني تميم إلى هذا العهد)، فهو لم يقتنع بانتساب الجبلان لتميم رغم شهرته قبله إلا بسبب وجودهم في مساكن بني تميم قديماً، دون أن يأخذ بالاعتبار قضية تنقل القبائل من مكان لآخر، وهجرتها وحلول قبائل أخرى في مكانها، وهذا المنهج الذي ينتهجه ابن بليهد يفسر لنا السبب الذي جعله ينسب الجزء الآخر من مطير لقبيلة غطفان، وهو كونها موجودة في مساكن غطفان قديماً. وكأن ابن بليهد هنا يقول أن القول بتميمية الجبلان قول معروف ومشهور، وأن مما يؤيد ذلك أيضاً أنهم في مساكن تميم قديما. إذن ابن بليهد ممن اغتر بشبهة المساكن القديمة، فمع أنه يقول هذا القول عن الجبلان، فهو أقدم من نسب قبيلة مطير لغطفان، وذلك لسبب واحد فقط هو عند ابن بليهد وغيره أن قبيلة مطير موجودة في وقته في مساكن غطفان قديماً، وبن عبيّد مثله تماماً، ولهذا السبب نفسه أيضاً نجد البعض ينسبون الرشايدة لبني عبس من غطفان!! فماذا سيكون نسب قبيلة مطير لو كانت في وادي الدواسر أو في وادي حنيفة أو غيرهما مثلاً ؟!!
2-لا يختلف أحد من النسابين في أن قبيلة مطير معدودة من خندف، وخندف هم أبناء إلياس بن مضر، ومعلوم أن غطفان من قيس عيلان بن مضر، وليست من خندف يقول الشاعر الأسود بن يعفر النهشلي الدارمي التميمي:
وقد علمت أبنـاء خندف أننـا رعـاة قواصيها وحاموا الحقائق
وأنا أولوا أحكامها وذووا النهى وفرسان غارات الصباح الذوالق
وكما قال الشاعرالفرزدق الدارمي التميمي:
إذا غضبت يوما عرانين خندف وإخوتهـم قيـس عليها حديدها
حسبت أن الأرض يرعد متنها وصم الجبال الحمر منها وسودها
وأن الذي يرجوا تميماً وعزهـا كباسط كف للنجوم يريدها
وأبيات الفرزدق هذه تبين أن خندف لا تشمل بني قيس عيلان الذين منهم غطفان، وقد سبق تفصيل ذلك.
3- ومما جعل بعض باحثي مطير يقولون أنهم من غطفان، ما وجدوه عند الشيخ حمد الحقيل في كتابه (كنـز الأنساب)، وهو قوله نقلاً عن القلقشندي: (المطارنة بطن من صبح من العدنانية)، وهو نقل مبتور فبالرجوع إلى الأصل فالنص عند القلقشندي في كتابه (نهاية الأرب، ص 153)، كالتالي: (المطارنة: بطن من صبيح من فزارة من العدنانية مساكنهم مع قومهم صبيح ببرقة)، فإذاً المطارنة هؤلاء ليسوا هم مطير الذين في الجزيرة العربية، أما عن تنقل القبائل وخاصة غطفان فقد ذكر القلقشندي (وهو فزاري) أن فزارة من غطفان منازلهم ببرقة، (نهاية الأرب، ص 286)، إن من اعتقد بأن مطير الحجاز من غطفان فقد توهم بسبب ذلك النص عن مطارنة ليبيا الغطفانيين، فتوهم بأنهم هم مطير الموجودون في الحجاز بحكم أن غطفان ممن يسكن تلك المنطقة في العصور الأولى، بينما تنقل القبائل أمر معروف وقديم، وأكاد أجزم أن تسعين بالمئة من القبائل في العصور المتقدمة لا تسكن في أماكنها الآن. وأقول لو كان لهم بقية في الجزيرة العربية لذكرهم القلقشندي فيها، ولكنه ذكر وجودهم في ليبيا (برقه) فقط، وهذا البطن (المطارنة) الليبي فخذ جديد في صبيح الغطفانية، ولم يأتي إلا بعد الرحيل عن جزيرة العرب. خاصة وأن القلقشندي متأخر عاش في القرن التاسع الهجري إذ وفاته سنة 821هـ، وقبيلة مطير الحجازية النجدية موجودة قبله. فالربط بينهم وبين قبيلة مطير الحجازية النجدية استشهاد وربط خاطئ، لاسيما وأن بين أيدينا من ينسبهم إلى تميم قبل البليهد والعبيّد والجاسر. والحروب الطاحنة الأخيضرية والقرمطية التي استمرت لعقود بل لقرون مع القبائل النجدية والحجازية جعلت كثيراً منهم يهاجرون ويتنقلون من مكان إلى آخر داخل أو خارج الجزيرة العربية، مما غير جغرافية الغالبية العظمى من مساكن القبائل آنذاك، وقد يكون ما جعل البليهد يرى هذا الرأي هو اعتماده بالدرجة الأولى على تشابه الأسماء أو البلدان فقط دون النظر إلى تغير جغرافية أكثر القبائل. وحتى لمن أراد الاستشهاد بالمسكن وتشابه الأسماء فإن ممن كان يسكن مناطق مطير الحالية عدد من بطون بني تميم سأكتفي بذكر نماذج بهدف الاستشهاد لا الحصر:
أ) ورد في (شرح نقائض جرير والفرزدق، ج2 ص392) قصة حصلت في المدينة المنورة للشاعر ضابئ البرجمي من بني قيس بن حنظلة من تميم مع بني عبدالله بن هوذة بن جرول بن نهشل بن دارم بن حنظلة من بني تميم أيضاً، وذكر في تفاصيل القصة أنهم انحدروا من المدينة إلى لصاف (اللصافة). وهذه هي مساكن مطير الحالية بالضبط، وإن كنت لا أرى نسبة السكان الحاليين للقدماء الساكنين في نفس المسكن لمجرد وجود متأخرين يسكنون في نفس المساكن، ولكن أوردت هذا الشاهد لمن يرى الاستشهاد بالمسكن وتشابه الأسماء.
ب) قال الصحابي الجليل الأقرع بن حابس الدارمي التميمي رضي الله عنه عندما قدم مع وفد بني تميم لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم مفاخرا بقومه:
وإنا رؤوس الناس في كل معشر وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وأن لنا المربـاع في كـل غارة تكون بنجد أو بأرض التهـائم
(أسباب النزول للواحدي، ص388).
4- قال ابن سعيد الأندلسي (ت 685هـ) في كتابه (نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب، ج2 ص527) في كلامه عن تاريخ غطفان، بعد أن ذكر أماكنهم القديمة في نجد والحجاز ما نصه: (وليس لغطفان اليوم في هذه البلاد ذكر، بل تفرقوا على بلاد الإسلام، وغلبت على أرضهم بالحجاز بطون طيء. وأجذام غطفان المشهور بالنسب إليها: عبس، وذبيان، وأشجع)، وقال أيضا في ج2ص580: (وأما أشجع بن ريث بن غطفان فلا تفرع لها وكانت ممن يحسب في أعراب المدينة النبوية. ولا ذكر لها الآن في الحجاز ولا في غيره). علماً أن ابن سعيد الأندلسي أتى للمنطقة وسأل أهلها، إذاً لا وجود لبطنٍ غطفاني اسمه بني عبدالله ذلك الوقت لا في الحجاز ولا في غيره، بل بحسب كلامه لا وجود لغطفان في الجزيرة العربية.
5- قال الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، في (المجلة العربية، ص 67)، العدد 342، رجب 1426هـ، ما نصه: (فهذه مطير السفلى أخذت كثيراً من بادية تميم، وهذه مطير العليا أخذت كثيراً من غطفان). حال الظاهري كحال ابن بليهد وغيره في هذا الشأن في اعتماده على شبهة المساكن، فتجده ينسب قبيلة مطير وهي قبيلة واحدة إلى نسبين مختلفين، بسبب كونها منقسمة بين مسكن قبيلتين كانتا تسكنان هذه الأماكن قديماً، ولا شك أنها لا تمت إلى إحداهما بنسب، وقد سبقت الأدلة التي تثبت تميمية مطير، وسبق أيضاً الكلام على أن مطير ليست من غطفان.
6- لا بد في النهاية من الإشارة إلى قول خاطئ آخر عن نسب قبيلة مطير، وهو قول من نسبها لقحطان، وقد أوقعهم في هذا الوهم ما وجدوه في كتاب (مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود)، لعثمان بن سند، حيث قال: (لم أقف على ثبت في نسب السهول هل هم عدنانيون أو قحطانيون؟ ولكن شاع على الألسنة أنهم قحطانيون، وكذلك المطيريون)، وعندما اختصر أمين الحلواني كتاب ابن سند شوّه هذه المعلومة فأصبحت كالتالي: (ونسب مطير يرجع إلى قحطان)، ونقله عنه ابن عيسى في مجموعه صفحة 59، ويظهر أن الحيدري تأثر بذلك حيث قال في كتابه (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد) عن مطير: (والمشهور فيما بينهم أنهم من قحطان). ومصدر المعلومة كما هو واضح هو ابن سند، وفهم البعض أن قوله (وكذلك المطيريون) عطفا على نسب السهول، والصحيح أنه عطفا على عدم وجود ثبت عن نسبهم، واختصار الحلواني له على الفهم الخاطئ.
الخلاصة: أن قبيلة مطير تميمية النسب - سوى قلة دخلوا معهم بالحلف- وهذا قول المتقدمين منهم، وهو قول ثقاة النسابين في الأماكن التي تقطنها قبيلة مطير وقول غيرهم أيضاً، وهو قول نسابي بني تميم والباحثين منهم في أنسابها، هذا ما تبين لي، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.